
تحت عنوان “حقاً من وعد الهجري بدولة للدروز؟ “، أطلق الصحافي السوري عمر قدور مقالاً يُستشف من عنوانه أنه حلقة في سلسلة تشويه الحقائق والتلاعب بالوعي، مستهدفاً تشويش الرأي العام على مواقف الزعيم الروحي للموحدين الدروز في السويداء، الشيخ حكمت الهجري.
ومن خلال الغوص في ثنايا المقال وتفاصيله، يتجلى لنا بجلاء أن هدف الكاتب هو تصوير الشيخ الهجري وكأنه الرأس المدبر وراء كل ما حلّ بسوريا من دمار منذ سقوط النظام السابق وحتى اليوم، وهنا، لا بد من مواجهة هذه المزاعم بتساؤلات جوهرية تفضح التناقض في حججه:
عندما انطلقت السويداء في تحركاتها الشعبية المطالبة بتنفيذ القرار الدولي 2254، وكان الشيخ الهجري في الصفوف الأولى يرفع صوته عالياً بهذا المطلب، إلى جانب الدعوة لإقامة دولة علمانية جامعة تظلّ تحت لوائها كل مكونات الشعب السوري، ألم يكن هذا مطلباً جامعاً لكل السوريين؟ هل خرج ليهتف بانفصال السويداء عن جسد سوريا الأم؟
أليست ميليشيات سلطة الأمر الواقع التي يتزعمها الجولاني هي من اقترفت المجازر وحرب الإبادة الجماعية في حق أبناء السويداء، مما دفع أبناء طائفة الموحدين الدروز في كل بقاع الأرض إلى النهوض دفاعاً عن إخوانهم في السويداء في مواجهة هذه الوحشية؟
كيف يمكن تبرير المذابح المروعة التي ارتكبت بحق أبناء الطائفة العلوية في الساحل السوري؟ هل سيتم اتهامهم هم أيضاً بأنهم يطالبون بـ”دولة علوية” لتحويل الأنظار عن فظاعة ما تعرضوا له من إبادة وقتل وخطف للنساء وانتهاك للأعراض؟
ما الجُرم الذي اقترفه المسيحيون حتى تُفجّر كنائسهم وتُمنع شعائرهم الدينية ويُهان رجال دينهم وتُسرق رموزهم، ويُفرض عليهم الجزية مقابل البقاء أحياء؟ هل هؤلاء أيضاً يتهمون بالسعي لإقامة ” دولة مسيحية “؟
وما الذنب الذي اقترفه أبناء الطائفتين المرشدية والإسماعيلية حتى يُقتلوا على هويتهم المذهبية، وتُنهب أرزاقهم وتُسرق أملاكهم تحت حكم سلطة الأمر الواقع؟ هل يُعقل أن هؤلاء يطالبون بـ”دولة مرشدية” أو “إسماعيلية”؟
ولعل السؤال الأبرز والأكثر إثارة، كيف يُبرر منع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وسجن مفتي الجمهورية السابق الدكتور أحمد حسون؟ هل هؤلاء أيضاً متهمون بالسعي لإنشاء ” دولة سنية “؟
عزيزي الكاتب إن ما ينشده الموحدون الدروز في سوريا، تحت قيادة الشيخ حكمت الهجري، هو نفسه ما يتوق إليه السني والعلوي والشيعي والمسيحي والإسماعيلي والمرشدي وكل سوري شريف.. إنه الحلم الوطني المتجسد في دولة حقيقية، تحمي وجودهم وتحفظ كرامتهم وتقيهم من الذبح والخطف والاغتصاب والنهب.. دولة تحقق الأمان وتعيد الاعتبار لإنسانيتهم.
كفى تبريرات واهية لعصابات القتل والغرباء عن قيم سوريا وأصالتها، كفى اختباء خلف شعارات طائفية مقيتة لتبرير بحور الدم التي أغرقتم بها الشعب السوري، ذلك الشعب الذي حوّلته جرائم الجولاني ومليشياته إلى كتل بشرية مذهبية جاهزة للذبح.
والمستغرب أنه عندما تطالب هذه المكونات بحقها في الوجود، تتهمونها بالسعي لدولتها الخاصة! فهل يعقل أن يعيش الإنسان بسلام مع من يريد قتله ويكفّره ويحلّ دمه؟
إن الدولة بمفهومها الحضاري وسلطتها القضائية والعدلية ومعناها الأخلاقي، تقتضي محاسبة كل مجرم وقاتل ومغتصب. وهذه العصابات لا تمتلك أدنى مقومات الدولة، ولن تتمكن أبداً من تأسيس دولة قائمة على مرتكزات العدل والمواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات.
في الختام، لم يعد خافياً على أحد أن الشعب السوري بات على قناعة تامة بأن العيش تحت نير هذه الجماعات البربرية أصبح مستحيلاً، بل إن وحشيتهم فاقت كل جرائم المغول والتتار عبر التاريخ، بينما يخرج عمر قدور وأمثاله ليتهموا الدروز بالسعي لـ ” دولتهم “!
أليست هذه السلطة الإجرامية هي التي دفعت بجميع مكونات الشعب السوري إلى الرغبة في الانفصال عن كيان يدّعي زوراً أنه “دولة”، بينما يطلق العنان لمليشياته وعصاباته تحت مسميات “الأمن العام” و”الجيش” ليرتكبوا أبشع الجرائم بحق مواطنين أبرياء، ذنبهم الوحيد أنهم ولدوا بانتماء مختلف؟
عسى أن يكون عمر قدور قد أدرك أخيراً حقيقة الدولة التي يتوق إليها شعب سوريا بأكمله، وليس “الشعب الدرزي” وحده، والسلام.